يقول: "وخلاف المرجئة داخل في باب الوعد والوعيد"، كلمة المجبرة وكلمة المرجئة فيها إجمال، فهي مثل كلمة المشبهة؛ فكما أن كلمة المشبهة لا يقصد بها المعتزلة هشام بن الحكم الرافضي وداود الجواربي وأمثالهما، بل يعنون أهل السنة كما سبق، فكذلك الجبرية والمجبرة يعنون بها أيضاً أهل السنة، وإن كانت قد تطلق على الجبرية الحقيقيين والذين هم: الجهمية .
وكذلك أيضاً: المرجئة يقصد بها أهل السنة، وهم ليسوا بـمرجئة، ويقصد أيضاً المرجئة الحقيقية الذين يقولون: إن الإيمان مجرد المعرفة، وهم الجهمية .
فـالجبرية الحقيقية هم الجهمية، والمرجئة الحقيقية هم أيضاً الجهمية، وعنهم تفرعت الأشعرية ؛ فمذهب الجهمية إنكار الأسماء والصفات، وأن الإيمان هو مجرد المعرفة، والقول بالجبر، بمعنى أن العبد كالريشة في مهب الريح، والمعتزلة في الأصل منشقون عن الجهمية، ولهذا قيل: : المعتزلة مخانيث الجهمية، والأشعرية مخانيث المعتزلة، يعنون بذلك أنهم كالخنثى الذي ليس بذكر ولا أنثى، فـالجهمية الذكور هم الذين جهميتهم خالصة، وهم أصحاب جهم، أما المعتزلة فهم جهمية إناث والمعتزلة الذكور هم أتباع واصل بن عطاء، أما الأشعرية فإنهم معتزلة إناث وأي فرقة تنشق عن فرقة فإنها تعاديها أكثر من أي فرقة أخرى لم تكن منها أصلاً، وهذه سنة في التاريخ الفكري والعقائدي.
مثلاً: الجاحظ معتزلي، وهو مؤسس فرقة من المعتزلة تسمى الجاحظية، لكنه يقول عن إبراهيم النظام شيخ المعتزلة الكبير: ومن كفرياته كذا، ومن كفرياته كذا، ومن مخاريقه كذا؛ يتكلم فيه بالجد والهزل؛ مع أن الجاحظ معتزلي، لكن انشق عن النظام، وله آراء تخالف النظام، فيتكلم فيه ويبين بطلان أقواله أكثر من أي إنسان آخر ليس من المعتزلة .
وكان العلاف يكفر النظام، والنظام يكفر العلاف، وكذلك أيضاً واصل بن عطاء فقد ألف في الطعن على عمرو بن عبيد وبيان بطلان كلامه.. وهذا حال أهل البدع جميعاً.
قوله: "وخلاف المرجئة داخل في باب الوعد والوعيد" والمقصود: أن المعتزلة يزعمون أن الذين يقولون: إن الله سبحانه وتعالى قد يعفو عن المجرم والمذنب: هم مرجئة .